الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على تأسيس قوانين ومؤشرات يستطيع من خلالها التعرف على جنسه على وجه هذه البسيطة، فمن هذه الوسائل والقوانين اللغة، واللغة هي مجموعة الأصوات والرموز التي يستخدمها الإنسان بهدف التواصل، ويُعرفها عالم اللغة”عبد القاهر الجرجاني” بأنها:”ما يستخدمه كل قوم لتحقيق أغراضهم”.

تعريف اللغوي بسيط في نفسه إلا ان المدارس اللسانية قد اختلفت فيما إذا كان للحيوان، أو لغة تُماثل لغة الإنسان، فقد رأى بعضهم أن اللغة هي خاصية يمتاز بها الإنسان وحده، ورأى بعض علماء اللسانيات أن اللغة هي اللغة الخاصة المشتركة بين الإنسان والحيوان، والسؤال هنا: هل اللغة خاصية مشتركة بين الإنسان والحيوان؟أم أن اللغة هي خاصية يمتاز بها الإنسان كونه الكائن الوحيد الواعي على هذه البسيطة؟

تعريف اللغة

اللغة هي القدرة على التواصل والتعبير، بواسطة مجموعة العلامات المختلفة، ولا يُمكن لشخص أن يمارس لغة بني قومه إن لم تكن عنده القدرة على كيفية استخدام العلامات من أجل التواصل، فهذه القدرة هي من المؤشرات التي تُضير إلى مفهوم اللغة، واللسان على اختلاف العلامات المُستخدمة.

ويتم معرفة مدى القدرة على استعمال العلامات من خلال الكلام، فمن خلال هذا الأساس نستطيع أن نُميز بين اللغة واللسان والكلام، فاللغة هي قدرة على التعبير والتواصل، واللسان هو نسق العلامات المتداولة ليتم التواصل بها، والكلام هو طريقة استخدام الشخص لهذا النسق.

نلاحظ عندما يُكلم الفرد شخصاُ آخر فإنه يُكلمه معبراً عن شيء ما يقوم بنقله إليه، ولتحقيق هذه المهمة نحتاج للنسق الخاص بالعلامات والذي هو اللسان، والمقدرة على استخدامه وهي اللغة،فلا يكون الكلام إلا بوجود لسان ولغة.

والظاهر هنا أن اللغة واللسان والكلام هي مترابطة فيما بينها، فيحتاج كل جزء منها للآخر معتمداً عليه لتحقيق الغاية بتوصيل الفكرة.

هل اللغة خاصية إنسانية أم حيوانية

الطبيعة البيولوجية بين الإنسان والحيوان مشتركة، والتي تجعل منهما بحاجة مُلحة للتواصل، فكان يُسمى هذا التواصل عند الإنسان باللغة، وتم طرح التعاريف الكثيرة للغة، والتي وضحها العلماء بأنها أصوات ورموز تُستخدم للتواصل، وهذا ما أكدت عليه المدرسة الفسيولوجية ل”فان فريت شاما”، والمدرسة اللسانية المعاصرة، ل”دي سوسير و ارنست اكسير” في المدرسة العقلية، والتي أكدوا على أن اللغة هي خاصية إنسانية، فهل فعلاً التواصل المشترك بين كلٍ من الإنسان والحيوان، يسمح لنا بالقول، بأن للحيوان لغة خاصة أم أن اللغة خاصية إنسانية تتميز بالوعي؟

  • للحيوان لغة خاصة تُماثل لغة الإنسان

من وجهة نظر المنطق فإن الحيوان له لغة تُماثل لغة الإنسان، ويُمثل هذا القول كلاً من( فون فريتش والمدرسة اللسانية القديمة المُمثلة بأفلاطون والحديثة المُمثلة بافلوف و المدرسة السلوكية لثروندايك واطسن)فإنهم يرون أن للحيوان لُغة مثل لغة الإنسان ولكن لا نفهمها.

وحجة هؤلاء العلماء كالتالي: أفلاطون يُعيد أصل نشوء اللغة للإنسان هو شيء تقليدي لأصوات ورموز وإشارات موجودة في الطبيعة، بما فيهم صوت الحيوانات، وهو تقليد ساعده على اكتساب اللغة من الطبيعة ومن الحيوان، والأبحاث الفسيولوجية الجديدة تُؤكد موقف أفلاطون، فقد أكد عالم الحيوان كارل فون فريتش بعد تجاربه على عالم النحل، أن الحيوان له لغة لم نستطع نحن البشر فكرموزها، فإذا وجد النحل مكان تواجد الطعام، يقوم بتأدية رقصات وحركات دائرية، تفهم العاملات من خلالها مكان الطعام، وكم يبعد عن الخلية، وقد أكد أن الببغاء يستطيع الكلام كالإنسان والتخاطب.

والآية القرآنية في سورة النحل ورقمها ثمانية عشر، تُثبت بأن للنمل لغة ويتخاطبون بها، فهو يملك لغة تُماثل لغة الإنسان ولكن لم نستطع أن نفهمها ونفك رموزها، ولكن المدرسة النفسية المعاصرة قد أثبتت بأن للحيوان القدرة على التعلم تُماثل قدرة الإنسان.

فإذا اعتبرنا أن النحل يمتلك لغة تُماثل لغة الإنسان، ولكنها تفتقر للكثير من الخصائص التي تعتمد عليها اللغة من رموز واشارات، ولغة الإنسان متغيرة متعددة الأغراض وتتجاوز البيولوجية، ولا يمكننا أن نعتبر أن لغة الحيوان تُماثل لغة الإنسان.

  • اللغة خاصية إنسانية

وهذا الإتجاه مُمثل بكلٍ من( ديكارت والمدرسة اللسانية المعاصرة وأرسطو ودي سوسير وارنست كاسير واميل بنفست)، فإنهم جميعاً يرون أن اللغة خاصية يمتاز بها الإنسان ولها الخصائص التي تجعلها بعيدة عن متناول الحيوانات.

حيث يقول أرسطو “الانسان الكائن الوحيد القادر على ترجمة أفكاره و مشاعره الى رموز و عبارات مفهومة له و لمجتمعه”، ومن هذا الإعتبار وضع باحثي اللغة والذين كانوا يُسمون قديماً اللغويين، وأصبحوا يُسمون لسانيين، مجموعة من الخصائص التي تٌميز لغة الإنسان عن غيرها من اللغات، ومنها ما يلي:

  • اللغة متعددة ومتنوعة بحسب ثقافات الشعوب في العالم.
  • اللغة متجددة إبداعية، فيها الحركة الديناميكية المستمرة، والتي بدأت بالحاجة البيولوجية ومن ثم بالحاجة النفسية الإنفعالية، وتعبر عن العلوم، فيقول ديكارت منطلقاً من قناعة تُفيد بأن الإنسان هو الكائن الوحيد الناطق أو بالأصح الكائن الرمزي، الذي يقوم باستخدام اللغة منطقة، ومكتوبة، وحركية للتعبير عن أغراضه ومشاعره والأفكار التي تجول في خاطره.

وأساس هذا المفهوم للغة عند الإنسان هو وجود التفكير لديه، وسبب غيابها عند الحيوان هو افتقاره على التفكير، ودليله هو أن الإنسان مهما كان ناقصاً يستطيع استخدام العلامات للتعبير عن الأفكار داخله، مثل الصم والبكم الذي يخترعون علامات وحركات لهذا الغرض، فالحيوان مهما بلغ من الكمال، لا يملك القدرة على استعمال اللغة ، مثل نطق الببغاء فهو ليس لغة، ذلك لأنه مجرد تعبير عن انفعال إشراطي.

وبهذا عبارة” الإنسان حيوان عاقل” تكن مرادفة للعبارة التي تقول”الإنسان حيوان ناطق”، بحيث أن العقل والفكر هما أساس اللغة، فلا لغة تكون بدون فكر، كما قالت العرب”اللغة دالة الفكر”.

واعتبر ديكارت أن الأصوات التي يُصدرها الحيوانات هي مجرد استجابات انفعالية لمؤثرات مرتبطة إما باللذة او الألم، فالصوت المشروط هنا يُمكن اعتباره فعلاً منعكساً بشرط وليس تواصلاً، فاللغة ليست ظاهرة فسيولوجية، فالحيوان لا يملك عقلاً، لذلك فهو غير قادر على استعمال اللغة.

واللغة إن كانت خاصية إنسانية، فإنها تتميز بأنها لفظية تُنطق من خلال أصوات، والببغاء يقوم بنفس العملية،وإن كانت مركبة من مجموعة فونيمات ومورفيمات، فالآلة الموسيقية تُصدر الأصوات وفق النوتات المختلفة، وبذلك تكون اللغة ليست خاصية إنسانية.

ونستنتج مما سبق أن الأصوات ليس لها أي علاقة باللغة، بحيث أن الآلة الموسيقية تُصدر الأصوات لكن ليست لغة، وكان الإنسان الاول يُصدر الاصوات  بنفسه للتواصل مع غيره مُقلداً ما في الطبيعة، ولم يكن عارفاً اللغة، وعندما أنشئ الأبجدية، أنشأ معها الألفاظ وهي كلمات ثم في مجموعها عبارات.

ولحل هذا الإشكال بين العلماء، ولنستطيع الوصول لحل وسط بين الفريقين، مع القدرة على التفريق بينهما، والوصول لهدف معرف، تكون هناك مجموعة من الخصائص للغة في التواصل الحيواني، فنجد ما يلي:

بعض خصائص اللغة

  • تأدية وظيفة التواصل بين أفراد المجتمع، إذ أن كل مجتمع يحتاج للتواصل بين أفراده.
  • يتم استخدام التعبيرات الحركية كتعبيرات الوجه أو الرموز أو الإشارات.
  • إصدار الأصوات، فهي خصائص مشتركة يُمكن للإنسان التعويض عنها بكلمات بسيطة أو جُمل، أما الحيوان يبقى ثابت الأجهزة، فهي مشتركة بينهما، وهذا يدل على أن اللغة وعي إذ يقول وسدروف في تجربة العلماء على الطفل والقرد، يتساوى الطفل مع القرد في تعبيرات، لكن بمجرد أن ينطق الطفل أول كلمة يدخل في عالم الإنسانية، ويظل القرد حبيس في الحياة البيولوجية، وهذا ما يُأكده ديكارت في قوله:”الببغاء يتكلم لكن لا يعي ما يقول لأنها مجرد غريزة”، وعلى هذا فتكون اللغة خاصية خاصة بالإنسان.

الخصائص المميزة لأشكال التواصل لدى الحيوان

هناك الأشكال المختلفة لعملية التواصل بين الحيوانات، والتي يعتبرها البعض بأنها شكل من أشكال اللغة، والتي كالتالي:

  • أشكال غريزية.
  • أشكال تكون ثابتة وغير مرتبطة.
  • أشكال تكون مرتبطة بالحاجات والضرورات البيولوجية.
  • أشكال تكون فقيرة وبسيطة من حيث الدلالة والمعنى المراد.
  • أشكال منغلقة وبخاصة عند النوع الحيواني الواحد.

ومن هذا نستنتج أن اللغة استخدمت قبل التفكير كوسيلة بيولوجية، وقام الإنسان بتقليدها بالتساوي مع الحيوان، فاعتبرت بأنها ثنائية اللغة والفكر، والأحاديث تتحكم في ما نملكه من الثروة اللغوية، فأن كانت اللغة عندنا غنية بالألفاظ، كان سهلاً علينا وضع المعالم الجيدة للفكرة، وأوصلنا الصور للغير بسهولة تامة، والعكس إن افتقرنا للثروة اللغوية نكون عاجزين عن إيصال الأفكار إلى غيرنا، فنجد في المقابل اللغة تُقدم الرم والمسرح والنحت والإيماء، وهو ما يُسمى المونولوغ، ويُساعدها الرموز والإشارات وتغير ملامح الوجه.

ويقول المثل الصيني” إن أروع الأشعار التي لم تُكتب”، بمعنى أن الإنسان يملك الكثير من المشاعر والأفكار والرغبات، فالرسام  يشرح لوحته بلفظٍ وحيد، والموسيقي يحتاج لمغني وملحن ليوصل اللفظ.