يعتبر الدين والوطن هو اغلى ما يملكه الانسان في حياته، وما من فرد الا ويعتز بوطنه لانه مهد صباه ومدرج خطاه وايضاً مرتع طفولته، وهو ملجأ لكبره، وايضاً منبع لذكرياته، وموطن لآبائه واجداده ومأوى للابناء والاحفاد، وايضاً الحيوان لا يرضى الا بوطنه ارضه، حيث يعمل الافراد من اجله ويضحي بكل غالي ونفيس، وايضاص كل طير له وطن لا يرضى الا ان يعيش بعشه، فالوطن غالي جداً، فهو الملجأ الوحيد للانسان، وبه يلقى الاحترام والمحبة والراحة.
محتويات
خطبة عن الوطن
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف المرسلين، الحمد لله المتفرد بالخلق والعباد والملك والمدبر لكل شئ، وهو على كل شيء قدير، له الامر وله الحكم وهو العليم الخبير، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه وهو اللطيف القدير، واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، شهادة تنجي قائلها من اهوال يوم القيامة، واشهد ان محمد رسول الله، شفيع الامة، ولا يدخل الجنة الا من اطاعه، ومحمد سيد الاولين والاخرين، عليه افضل الصلوات وعلى آله وصحبه وسلم، من سار على دربهم واقتفى دربهم واقتفى اثرهم بالاحسان الى يوم الدين.
أما بعد:
وللأوطان في دمِ كلِ حُرٍ *** يدٌ سلفت ودينٌ مستحقُ
ان خير الاحاديث حديث الله، وخير الهدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الامور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، اللهمَّ إنَّا نعوذُ بِكَ مِن فتنةِ القولِ والعَملِ، ومِن شَرِّ الأَهواءِ والأَدواءِ ومِن شرِّ السَّمعِ والبَصَرِ، ومن شَرِّ الِّلسَانِ والهَذَرِ، اللهمَّ هَبْ لنا توفِيقاً إلى الرُّشْدِ، وقلوباً تَتَقَلبُ معَ الحَقِّ، وقَلبَاً وَسَمعَاً وبَصَرَاً يَتَحَلَّى بالعِفَّةِ والصِّدقِ.
الوطن هو بيتك
أيها الناس: ان اغلى ما يملكه الانسان هو الدين والوطن، وما من فرد الا ويعتز في وطنه، لانه مكان ولادته، ومرتع طفولته، وملجأ لكهولته، وايضاً منبع لذكرياته، وايضاً موطن للاجداد والاباء، حتى الحيوانات لا ترضى ان تعيش الا في وطنها، ومن اجله يضحى الانسان بكل غالي ونفيس، وحتى الطيور تعيش في سعادة ولا ترضى بغيره ولوكان من حرير، والاسماك تقطع آلاف الاميال متنقل في البحار ومذهلات ومن ثم يعود الى وطنه، وحتى النملة تخرج من بيتها وتقطع العديد من الاميال وتقطع الصخور وتمشي على الرمال وتبحث عن رزقها لتعود الى بيتها، وان العديد من المخلوقات اذا تم نقلها من موطنها الاصلى لا تتكيف وتموت، فالجميع يحب ويعشق رائحة وطنه، فإذا كانت تلك سنة الله في المخلوقات، حيث جعلها الله في فطرة الانسان، والا فما الذي يبقى الافراد الذين يعيشون في المناطق شديدة الحر، والتي قد تصل الى ستين درجة مافوق الصفر، والذين يعيشون في القطب المتجمد الشمالي تحت البرد القارس، وايضاً الذين يعيشون في الغابات الكبيرة، حيث يعاني من مخاطر الحياة كل يوم، وما الذي جعلهم يتحملون كل تلك الحب لوطنهم وديارهم، ولذالك كان ذالك من الحقوق والواجبات الاجتماعية في الاسلام، والتي غرسها في فطرة الانسان وحقوق الاوطان والارض والتي يعيش فيها ويأكل من خيراتها ويعبد الله تحت سمائها ومن اول تلك الحقوق الحب الصادق لذالك الوطن.
قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوْ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ)[النساء: 66]، واقترن في موضع آخر بالدين: (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) [الممتحنة: 8]، كل ذالك يدلل على تأثير الأرض، وعلى أن طبيعة الإنسان التي طبعه الله عليها حب الوطن والديار.
وأخرج الأزرقي في “أخبار مكة” عن ابن شهاب قال: قدم أصيل الغفاري قبل أن يضرب الحجاب على أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، فدخل على عائشة -رضي الله عنها- فقالت له: يا أصيل: كيف عهدت مكة؟! قال: عهدتها قد أخصب جنابها، وابيضت بطحاؤها، قالت: أقم حتى يأتيك النبي، فلم يلبث أن دخل النبي، فقال له: “يا أصيل: كيف عهدت مكة؟!”، قال: والله عهدتها قد أخصب جنابها، وابيضت بطحاؤها، وأغدق إذخرها، وأسلت ثمامها، فقال: “حسبك -يا أصيل- لا تحزنا“. وأخرجه باختصار أبو الفتح الأزدي في كتابه “المخزون في علم الحديث”، وابن ماكولا في “الإكمال”، وفيه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ويها يا أصيل! دع القلوب تقر قرارها“.
حب الانسان لوطنه
ويعتبر ارتباط الانسان بوطنه وبلده من المسائل المتصلة في النفس، فهو مسقط الرأس وايضا مستقر للحياة، وايضاً مكان العبادة ومحل للمال والعرض، وايضاً مكان للشرف على ارضه يحبا، وايضاً يعبد ربه، ومن خيراته يعيش ومن مياهه يرتوي وكرامته من كرامته، وعزته من عزته، حيث به يعرف عنه ويدافع عنه، فالوطن نعمة من الله عز وجل على الافراد وعلى المجتمع ككل وايضاً محبة الاوطان تعتبر طبع الله النفوس عليها، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أخرجه الذين كفروا من مكة، قال تعالى: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة: 40]، وكما حدث لموسى -عليه السلام-؛ قال الله تعالى: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَار.
المحافظة على الوطن
اللهم ألف على الخير قلوبنا، واجمع ما تفرق من أمرنا هذا؛ وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).