الله عز وجل خلق الخلق لغاية عظيمة، ولم يخلقهم عبثاً بحيث أنه تبارك وتعالى لم يتركهم سُدىً وهملاً، إذ قال الله عز وجل في كتابه العزيز:” وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ” الذاريات:56.

وقد أنعم الله على عباده بمنحهم لذة العبادة التي لا يُضاهيها لذة من لذائذ الدُنيا، فهي تتفاوت من شخص لآخر بحسب قوة الإيمان لديه وضعفه، إذ قال تعالى:” مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” النحل:97.

وهذه الطمأنينة والراحة والسعادة لا تكون إلا بعبادة الله وحده، وتعلق القلب به، فقال ابن القيم عن ذلك:” والإقبال على الله تعالى والإنابة إليه والرضا به وعنه، وامتلاء القلب من محبته واللَّهَج بذكره، والفرح والسرور بمعرفته؛ ثواب عاجل، وجنة وعيش لا نسبة لعيش الملوك إليه البتة” (الوابل الصيب، ص:69).

كيف يحصل العبد على لذة العبادة؟

للإيمان الصادق والمجاهدة والعبادة الصحيحة، حلاوة ونور يقذفها الله في قلب من يشاء من عباده، فالإلهام والخواطر والرُؤى، ليست من أدلة الأحكام الشرعية.

وتتحقق العبادة الصحيحة بإخلاص النية ومتابعة أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم والبعد عن نواهيه، وللإيمان حلاوة يتذوقها المؤمن الذي رضي بربه وبالإسلام ديناً له، وبمحمد نبياً ورسولاً، فأنعم الله عليه بهذا المذاق العذب، فجعله الله مع الصديقين والنبيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، فقال الله فيهم :”إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا“.

أسباب حصول العبد على لذة العبادة

وهناك أسباب للحصول على اللذة في العبادة، والتي منها ما يلي:

  • مُجاهدة النفس بتعوديها على العبادة والتدرج في ذلك: إذ قال ابن القيم – رحمه الله -:” السالك في أول الأمر يجد تعب التكاليف، ومشقة العمل لعدم أُنْس قلبه بمعبوده، فإذا حصل للقلب روح الأنس؛ زالت عنه تلك التكاليف والمشاق، فصارت أي الصلاة قرة عين له، وقوة ولذة”، وكذلك قال ثابت البناني:” كابدت الصلاة عشرين سنة وتنعمت بها عشرين سنة”، وإذ قال الله تعالى في كتابه العزيز:” وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْـمُحْسِنِينَ” فالذين يُجاهدون النفس يهديهم الله ويُسهل عليهم الوصول إلى ما جاهد نفسه إليه.
  • الإكثار من النوافل والتنويع فيها: مما يُرث محبة الله لعبده هو إكثاره من النوافل، فتارة نوافل الصلاة، وتارة نواصل الصيام، وتارة الصدقة، حتى لا تمل النفس ولا تُدبر، إذ قال الله عز وجل في الحديث القدسي الذي يرويه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول: “وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه”، فمن تقرب إلى الله بالفرائض ثم النوافل، قربه الله إليه ورفعه إلى درجة الإحسان، فيُراقب الله في الحضور، ويمتلئ قلبه بمعرفة الله، ومحبته وعظمته، وخوفه وإجلاله، والأنس به.
  • التأمل في حياة الصالحين: فقد قال جعفر بن سليمان:” كنت إذا وجدت من قلبي قسوة؛ غدوت فنظرت إلى وجه محمد بن واسع، كأنه وجه ثكلى”، وكان ابن المبارك يقول:” إذا نظرت إلى فضيل بن عياض؛ جُدِّد لي الحزن، ومقتُّ نفسي”، ثم يبكي.
  • قراءة القرآن الكريم وتدبره، والوقوف عند كلامه العجيب: القرآن هو شفاء القلوب من الأمراض، فهو يجليها من الصدئ، ويُرققها مما أصبها من قساوة، ولو تخيل العبد الكلام بينه وبين ربه، لانخلع قلبه، من هول الموقف، ثم يُورثه الله أُنس قلبه بمناجاته لربه.
  • الخلوة بالله عز وجل والأُنس به: بحيث يختار العبد أوقاتاً تُناسبه ليخلو فيها بربه، فيبتعد عن ضجيج الحياة، ويُناجي ربه ويشكو ما به، ويتوسل لسيده ومولاه، ففي هذه الخلوات الآثار العظيمة للنفس، قيل لمالك بن مغفل وهو جالس في بيته وحده: ألا تستوحش؟ قال: “أَوَ يستوحش مع الله أحد؟” وكان حبيب أبو محمد يخلو في بيته ويقول: “من لم تقرَّ عينه بك فلا قرت عينه، ومن لم يأنس بك فلا أَنِس”، ويقول ذو النون رحمه الله:” علامات المحبين لله؛ أن لا يأنسون بسواه ولا يستوحشوا معه”.
  • البُعد عن المعاصي والذنوب: فالشهوة ساعة تُورث الذل الطويل، فالذنب يحرم من قيام الليل سنين، والنظرة المُحرمة تحرم صاحبها نور البصيرة، قال ابن الجوزي: “فرب شخص أطلق بصره فحرمه الله اعتبار بصيرته، أو لسانه فحُرِم صفاء قلبه، أو آثر شبهة في مطعمه، فأظلم سره وحُرِم قيام الليل، وحلاوة المناجاة، إلى غير ذلك”.

فالذنوب داء للقلوب، إذ يقول يحيى بن معاذ:” سَقَمُ الجسد بالأوجاع، وسَقَمُ القلوب بالذنوب؛ فكما لا يجد الجسد لذة الطعام عند سقمه، فكذلك القلب لا يجد حلاوة العبادة مع الذنوب”.

فإذا أردت التقرب إلى الله لتحصل على لذة العبادة، وتقطف ثمارها، وتنعم بخياراتها، عليك العمل على الأسباب التي من شأنها أن يمُن الله عليك بتذوق لذتها، وعليك أن تبتعد عن الصوارف والموانع التي تعمل على حرمانك من الشعور بلذة العبادة.