نزل القرآن الكريم مجزئاً على نبيه، وقد فصله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وبين لهم كل معانيه، بحيث ضم هذا الكتاب العظيم كل أخبار الأمم السابقة، وقصصهم، وحياة الأنبياء السابقين، وفيه القوانين والأوامر التي بها تصلح حياتنا، والنواهي التي يجب علينا الإبتعاد عنها.
ففيه كل ما يخص حياة الفرد كمالاً دون نقصان ليصل به إلى الجنان، ووصف الجنة والنار، ووصف المستقبل والتفكر في الكون والخلق، ومن الأمور التي تكلم الله عنها يوم القيامة وحال كل من أهل الجنة والنار، وما سيحدث لكلٍ منهم، والسؤال عن الكتاب المرقوم، وماذا قال العلماء في تفسير هذه الآية من سورة المُطففين، إذ قال تعالى:” كِتَابٌ مَّرْقُومٌ (9)”، فما معنى هذه الآية وما يقصد بها ربنا عز وجل.
محتويات
معنى كتاب مرقوم سورة المطففين
فقد جاء في الآيات السابقة لها، إن كتاب الفجار لفي سجين، وما أدراك ما سجين، فهنا كتابٌ مرقوم ليس تفسيراً لقوله ما أدراك ما سجين، بل هي تفسيرٌ لما كتبه الله لهم من مصير مرقوم أي مكتوب مفروغ منه، ولا يزيد فيه أحد ولا ينقص منه أحد، وفسرها آخرون بقولهم، الكتاب المرقوم أي المكتوب كالرقم في الثوب، لا يتم نسيانه ولا محيه، وقال قُتادة رضي الله عنه: مكتوبٌ رقم لهم لا يُزاد فيهم أحد ولا ينقص منهم أحد، وقال الضحاك في هذا أيضاً مرقوم أي مختوم، بلغة حمْيَر، واصل الرقم هو الكتابة، كمثل قوله سأرقم في الماء القراح إليكم على بعدكم، إن كان للماء راقم.
وهو هنا يُدلل أن مقرهم ومصيرهم ومأواهم لفي سجين، وهو الضيق، فعظم الله أمرهم بقوله: “وما أدراك ما سجين”، أي انهم فيسجن مقيمون وعذاب أليم، ومن العلماء منقال أنهم تحت الأرض السابعة، وقد تكلم البراء بن عازب في هذا الأمر إذ قال في حديه الطويل: يقول الله عز وجل في روح الكافر اكتبوا كتابه في سجين. وسجين هي تحت الأرض السابعة، وقيل: صخرة تحت الأرض السابعة خضراء، وقيل بئر في جهنم.
وفي الآيات السابقة لآية” كتابٌ مرقوم”، جمع الله عز وجل بين الضيق والسفول كما في قوله تعالى:” وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين دعوا هنالك ثبوراً”.
وكتابٌ مرقوم أي أن الله كتب لهم من المصير إلى سجين أي مرقومٌ ومكتوب مفروغ منه، ولا يُزاد فيه أحد، ولا ينقص منه أحد، وقال قُتادة ومقاتل، أي رُقم عليه بشركائه كأنه أعلم بعلامة يُعرف بها انه كافر، وقيل إنه مختوم بلغة أهل حِمْير.
وذكره الله عز وجل بعد آيات: “كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين وما أراك ما عليون كتابٌ مرقوم يشهده المقربون”، أيضاً قرر الله للمتقين والأبرار، المصير والمآل إلى عليين واصطفاهم إلى جناته، بشهادة الملائكة، وقال في هذا قتادة وابن عباس رضي الله عنهم جميعاً، يشهده من كل سماء مقربوها، أي كل الملائكة المقربين.
وفي تفسير الجلالين كتابٌ مرقوم أي مختوم، وفي تفسير الطبري، أي مكتوب بأمان من الله إياه من النار يوم القيامة، وفوزهم بالجنان، فكتاب الأبرار يكون مرقوماً، مكتوب فيه أعمالهم كالرقم في الثوب.