مع اقتراب شهر نوفمبر من نهايته، يبدو أن 2025 سيكون الأسوأ بالنسبة لأسواق الأسهم في أكثر من 14 عام. يقترب مؤشر S&P 500 من إغلاق تعاملات الشهر الحالي على خسارة بـ 17%. وما لم يحدث شيء استثنائي في ديسمبر، فستكون تلك هي المرة الأولى التي ينهي فيها المؤشر الأوسع نطاقًا على خسارة سنوية بأكثر من 10% منذ عام 2008.
برغم ذلك، يرى خبراء الأسواق المالية لدى شركة الوساطة الرائدة Easymarkets أن التحليل الأساسي على المدى الطويل يعطي إشارات حول وجود فرص للشراء إذا ما ألقينا نظرة على السوابق التاريخية لحركة الأسهم الأمريكية.
على سبيل المثال، لم يحقق مؤشر S&P 500 خسارة لعامين متتاليين منذ أزمة فقاعة الدوت كوم في عامي 2001 و2002. كما لا ننسى أن المؤشر قد حقق زيادة سنوية بمتوسط 9% منذ عام 1996. أيضًا بالعودة إلى السوابق التاريخية، يسجل مؤشر S&P 500 دائمًا مكاسب في أعقاب انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي. وتحديدًا منذ عام 1945، سجل المؤشر في المتوسط ارتفاعًا بنسبة 6.1% خلال الربع الأخير الذي يشهد الانتخابات النصفية، ثم مكاسب بحدود 7.5% خلال الربع الأول الذي يلي الانتخابات مباشرةً.
بالعودة إلى منظور المدى القصير والمتوسط، لا تزال الأسواق المالية تواجه معضلة مزدوجة من ارتفاع التضخم ورفع الاحتياطي الفيدرالي لسعر الفائدة. لذا فإن أي سيناريو متفائل يتطلب أن ينجح البنك المركزي، ولو بشكل جزئي، في استعادة السيطرة على التضخم دون الإضرار بالنمو الاقتصادي، أيضًا على الأقل بشكل جزئي.
محتويات
حرب الفيدرالي على التضخم
يتخوف كثيرون من تكرار سيناريو التضخم الجامح خلال حقبة السبعينات والثمانينات، والذي استمر لأكثر من عقد وبلغ ذروته عند 14% في عام 1979. اضطر الاحتياطي الفيدرالي آنذاك إلى أن يرفع معدل الفائدة ليقترب من 22 بالمائة. أدى ذلك إلى فقدان ملايين الوظائف ودخول الاقتصاد الأمريكي مرحلة طويلة من الركود الحاد جلبت معها احتجاجات اجتماعية واسعة النطاق، حتى وصل الأمر إلى محاصرة مبنى الاحتياطي الفيدرالي.
برغم ذلك، فإن بيانات التضخم الأخيرة أظهرت تباطؤ وتيرة ارتفاع الأسعار في أكتوبر، حيث بلغت 7.6%، وهي أدنى قراءة منذ يناير الماضي. وأعطت هذه القراءة انطباعًا بأن التضخم ربما بلغ ذروته بالفعل في يونيو عند 9.1%، وبالتالي قد لا تكون هناك حاجة لرفع الفائدة الفيدرالية بـ 75 نقطة أساس للمرة الرابعة على التوالي خلال اجتماع ديسمبر.
وعلى أية حال، فإن الربع الأول من 2025 سيكون بالغ الأهمية في التأكد من أن سياسات التشديد النقدي قد أجبرت التضخم على أن يأخذ منحنى هبوطي. وحتى في ظل هذا السيناريو، سيكون من المهم مراقبة مدى الأضرار التي لحقت بسوق العمل والإنفاق الاستهلاكي ومعدلات النمو الاقتصادي.
هل شكلت أسواق الأسهم قاعًا بالفعل؟
تتوقف الإجابة على هذا السؤال أيضًا على مآل اتجاهات التضخم والنمو الاقتصادي خلال الشهور القادمة. وعلى وجه التحديد، فإن المكاسب الأخيرة لأسواق الأسهم تفترض استقرار الأسعار وبالتبعية تباطؤ وتيرة رفع الفائدة، ما قد يجنب الاقتصاد الأمريكي الوقوع في براثن الركود قبل تطبيع السياسة النقدية.
ولكن إذا تبددت هذه الافتراضات فقد نشهد موجة بيع جديدة، وإن كان من غير المرجح أن تكون بالحدة التي كانت عليها في 2025، خصوصًا وأن أسهم الشركات القيادية في قطاع التكنولوجيا قد وصلت بالفعل إلى مكررات ربحية معقولة بعد الخسائر الحادة التي منيت بها خلال الشهور الماضية.
أسعار الفائدة المرتفعة هي بصفة عامة أنباء سيئة لسوق الأسهم، حيث تزيد من تكلفة رأس المال بالنظر إلى أنها تزيد تكاليف الاقتراض للشركات الراغبة في الاستثمار أو توسيع أعمالها. أيضًا فإن ارتفاع الفائدة يعزز من جاذبية أسواق الدخل الثابت مثل السندات، حيث تصبح أكثر تفضيلاً مقارنةً بأسواق العائد المرتبطة بالمخاطر.
دعنا نلقي نظرة سريعة على توقعاتنا لقطاعات السوق المختلفة خلال الفترة القادمة.
أسهم النمو
شهدت هذه الأسهم القدر الأكبر من الخسائر حيث حققت عائدًا سلبيًا بنسبة تقترب من 30% منذ بداية العام. الجدير بالذكر أن أسهم النمو قد حققت مكاسب تتفوق على مؤشر S&P 500 منذ عام 2002، وذلك باستثناء الفترة من 2003 حتى 2007، وهي السنوات التي شهدت أيضًا ارتفاعات قوية لسعر الفائدة.
أسهم القيمة
احتفظت أسهم القيمة بتوازنها النسبي على الأقل عند مقارنتها بتهاوي أسهم القطاعات المرتبطة بالنمو. نتوقع استمرار هذا النمط من الأداء في ظل قلق المستثمرين بشأن تقلبات السوق والاضطرابات الجيوسياسية وعدم اليقين الاقتصادي، جنبًا إلى جنب مع ارتفاع أسعار الفائدة.
أسهم شركات الطاقة
حقق قطاع الطاقة واحدة من أفضل السنوات في تاريخه مدعومًا بالقفزات المتتالية لأسعار النفط والغاز جراء الحرب الروسية الأوكرانية. برغم ذلك، من الصعوبة بمكان التكهن بفرص استمرار هذا الأداء القوي في ظل مخاوف الركود الاقتصادي واحتمالات هدوء الحرب الروسية الأوكرانية مع دخول فصل الشتاء. برغم ذلك، فإن خطط أوبك+ لخفض الإنتاج بمليوني برميل يوميًا، بالإضافة إلى دخول الحظر الأوروبي على واردات الطاقة الروسية حيز التنفيذ خلال الشهر القادم، قد ينعش آمال المستثمرين في هذا القطاع الحيوي.
خاتمة
تركيز السوق بشكل ربما يبدو مبالغًا فيه على اتجاهات التضخم سيفتح الطريق نحو حدوث تذبذبات حادة في الفترة المقبلة، ولكن على أية حال سيظل تقرير مؤشر أسعار المستهلكين حدثًا بارزًا لتحديد مسارات السوق حتى موعد صدور القراءة التالية. برغم ذلك، ننصح بإعطاء قدر من الاهتمام لمؤشرات معنويات المستهلكين والتي نعتقد أنها ستلعب دورًا حاسمًا في إلقاء الضوء على سيناريوهات الركود الاقتصادي، والذي من المفترض أن يصبح المعضلة التالية التي يواجهها صانعي السياسة النقدية بعد النجاح في احتواء الضغوط التضخمية.