بعث الله الأنبياء والرسل مبشرين ومنذرين ليقيموا الحجة على من خلق من العباد، فمنهم من آمن بهم وصدقهم واتبعهم فهداه الله وسار على المنهاج الذي ارتضاه، ومنهم من تنكب عنهم وأعرض وحاربهم وند عن شرعة الله وقانونه في الأرض، والناموس الذي وضعه للعباد، فكان مصيره الهلاك في الدنيا والآخرة.
ولكن الله لم يترك العباد هملاً بل أرفق مع رسله المعجزات التي تثبت صدق دعواهم وقوة منهاجم الذي يستجلبون قلوب الخلق إليه، وللفصيح أن يسأل، كيف نستدل بمعجزات الانبياء والرسل على وجود الله؟!.
محتويات
تعريف المعجزة
ويمكن الرجوع لكتب الفقهاء ومصنفات العلماء للتعريف بالمعجزة حيث أنهم عرفوها بأنها أمر حسي أو معنوي خارق للعادة يجريه الله على يد رسول من رسله أو نبي من أنبيائه ليدل على صدق دعوته.
وهذا ما يعني أن المعجزة (خارقة للعادة) أي أن البشر العاديون لا يمكن لهم أن يصنعوا مثلها أو يفعلوا شبيهها لأنها أعظم من قدرة الإنسان.
أمثلة على معجزات الأنبياء
أجرى الله خوارق العادات من العجزات على أيدي الأنبياء، ما أبهر أقوامهم فأسلم من سلمت فطرته، وعاند من انتكس، وقد يعطي نبياً معجزة واحدة وقد يمنحة الكثير من المعجزات زيادة في إقامة الحجة عليهم، كما أنها كانت تأتي من جنس الأمر الذي يبرع فيه القوم كتعجيز لهم، ومن أبرز المعجزات وأطولها شهوداً في الحياة وأبقاها (القرأن الكريم) فقد تحدى الله فصاحة العرب وبلاغة منطقهم وألسنتهم بأن يأتوا بقرأن مثله ثم بعشر سور، ثم بسورة واحدة فلم يستطيعوا ( قل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) ثم قال (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ثم قال (أمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).
كما أن الله قد منح النبي صلى الله عليه وسلم معجزة الإسراء والمعراج، ومعجزة انشقاق القمر، ومعجزة تكثير الطعام بين يدي رسول الله، ومجزة حنين الجذع إليه، ونبع الماء بين أصابعه، وسلام الشجر عليه، وشفاء المرضى بإذن الله.
ومنح سيدنا نوح عليه السلام السفينة التي تصنعها على اليابسة معرفة منه بأن الطوفان قادم مع أن قومه كانوا منه يسخرون فهلكوا ونجاه الله (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ)، وأعطى سيدنا صالح عليه السلام الناقة التي أخرجها من الصخر تطوف على قومه بالحليب يومياً حتى عقروها فعذبهم الله، ولسيدنا إبراهيم أن أنه نزع خاصية الإحراق من النار فكانت مشرقة لكنها برداً عليه (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ*قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ)، ولسيدنا عيسى عليه السلام معجزة مولده دون أب، وأنه يخلق من الطين طيراً فيطير بإذن الله، ويبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى بإذن الله ويخبر الناس بطعامهم في بيوتهم.
ولسيدنا موسى الكثير من المعجزات ذكر الله تعدادها بأنها تسعة من الآيات (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۖ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَىٰ مَسْحُورًا ) وقال (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ * وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ ۖ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ *فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ).
كما أن الله مكن سيدنا سليمان من الحديث للحيوانات وفهم لغتهم وغيرها من المعجزات (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ) وغيرهم من الأنبياء الذين منحهم الله الإعجاز.
الاستدلال بالعجزات على وجود الله
آيات الأنبياء التي تعرف بالمعجزات يشاهدها الناس أو يسمعون بها دليلاً واضحاً على وجود الله عز وجل، الذي أرسل هؤلاء الأنبياء بالمعجات الخارجة عن مقدور البشر، فيجريها الله تعلى نصراً لهم، كما طلبت قريش من النبي صلى الله عليه وسلم أن يشق لهم القمر، فشقه لهم نصفين وهم يبصرون (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ).
بذلك نكون قد وصلنا لخلاصة ما قدمنا عن معجزات الأنبياء وأنها دليلاً على وجود الله تعالى وصدق دعواهم، وفي ذلك تعزيز لنا على زيادة الإيمان بالرسل ومعرفة حقهم علينا من المحبة والدعوة لمحبتهم.